بن همام ... ماذا اقول؟

بن همام ... ماذا أقول!

عاد محافظ البنك المركزي محمد عوض بن همام إلى صنعاء لمواصلة مهام عمله كاكبر عقلية اقتصادية يمنية حافظت طوال شهور مابعد الحرب وحتى وقت قريب على استقرار سعر العملة المحلية مقارنة بالعملات العالمية الاخرى وذلك من خلال الاجراءات العملية والعلمية المدروسة التي نفذها البنك المركزي اليمني الذي يتولى رأساته.
ولقد تعرفت على هذا العظيم، وربما هذا اغلب حال اليمنيين، لاول مرة تقريبا عندما أجمعت عليه الاحزاب ليكون رئيسا لوزراء حكومة الوفاق الوطني التي تم الاتفاق على تشكيلها في نهاية العام الماضي وذلك بعد اتفاق السلم الشراكة الذي وقعته الاحزاب والحكومة في يوم دخول الحوثيين إلى صنعاء (وذلك قبل عرضها على بحاح)، والذي لفت نظري ونظر كل يمني هو الرفض القاطع من قبل هذا اليمني العظيم لهذا المنصب الكبير الذي تشراب اليه اعناق الرجال، ولكن الامر عند ابن همام كان مُختلف، حيث كانت له حسابات أخرى، أتضح فيما بعد أنها وطنية ومن أجل الوطن، وايضا من أجل نفسه التي لايريد تدنيسها بتبعات هذا المنصب، في هذا الوقت الحساس من تاريخ اليمن.
كانت هذه اول واكبر شهادة على عظمة هذا الانسان ووطنيته واخلاصه، ثم هاهي الشهادة الاخرى، التي ربما تكون أكبر من الاولى وتدل بوضوح على معدن هذا الرجال، ألا وهي عودته إلى صنعاء لممارسة مهام عمله الصعبة كمحافظ للبنك المركزي اليمني، وذلك بعد أن غاب لفترة بسيطة، نتيجة سفره إلى حضرموت لحضور مراسم حفل زفاف أبنه، وهي السفرية التي ظن الكثيرون أنها ستكون سفراً بلا عودة، كما كان حال بحاح وشلة وزراءه، ولكن هذا لم يحدث، فقد عاد هذا اليمني العظيم ليتحمل المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقه، مشاركا الشعب والقيادة الوطنية الصمود في وجه العدوان، كلُ بما يملك من أدوات وقدرات.
نعم عاد بن همام، وكان يستطيع ألا يعود، وكان من مصلحته الا يعود، وكان سيجد في الرياض كل ترحيب وكل مامول يامله أي طامع في الثروة والراحة، ولكن أبن همام كان شخصاً من نوع أخر، لم تؤثر فيه الاطماع، ولم تؤثر فيه الانتمائات المناطقيه ( كونه جنوبيا حضرمي)، ولم تؤثر فيه ثقل المسؤولية وصعوبتها، لانه رجل يعرف أين العظمة الحقيقية، وكيف يجب أن تكون، فالعظمة الحقيقية من وجهة نظر العظماء أمثال بن همام هي ان "تفعل مايجب عليك فعله، لا ماترغب في فعله"، أن تفعل من أجل الأخرين وليس من أجل نفسك، أن تكون مع اهلك ووطنك أينما كان وكانوا، وخاصة إذا كنت كبيرا وقادراً على إحداث فرق بمواقفك وافعالك.
أبن همام فعلها، بعد أن ظننا أن اليمن قد أصبحت عاقر عن انجاب العظماء، وخاصة ونحن نرى كل من كنا نظنهم كباراً أبتداء من الارياني وياسين نعمان والعتواني وغيرهم ممن كسروا راوسنا ازامنا طويلة متشدقين باسم الوطنية والوطن، وعندما بدت لهم المصلحة والمغنم، وخافوا من عواقب الصمود لاذوا بالفرار تاركين لشعبهم يغرق، بل ومساعدين على اغراقه، لكن أبن همام كان هماماً فعلاً، هماماً بفعل الامور العظيمة، وبتسطير المواقف الخالدة، التي سيذكره بها الشعب والتاريخ اليميني مدى الازمان.

دمت لبلادك، وكُتب لك الخلود إلى الابد، أيه العظيم أبن همام.