ايران والنفاق الغربي

القادمون من إيران يقولون إن الأوضاع الداخلية مستقرة، والحياة تسير بروتينية اعتيادية، والمظاهرات التي تتحدث عنها الصحافة وأجهزة الإعلام الغربية بشكل مكثف، لا يشعر بها الإيرانيون، بل ان الغالبية الساحقة تنفي وجودها أساساً.
الحكومات الغربية لا تريد عودة الهدوء إلى إيران، وتتمنى استمرار الاضطرابات والمواجهات التي وقعت احتجاجا على 'تزوير' الانتخابات، ونظمها المرشحون الاصلاحيون وأنصارهم في بعض ميادين العاصمة طهران.
وزير الخارجية السويدي كارل بيلت الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي للأشهر الستة المقبلة، عبر عن هذه الأماني الغربية، في تقويض النظام الايراني من الداخل بقوله 'ان النظام الايراني يعاني مشكلة شرعية'، بعد الاضطرابات التي تلت اعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا لولاية ثانية.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عما اذا كان الوزير السويدي، أو نظراؤه الغربيون سيقولون الشيء نفسه، في حال حدوث اضطرابات واحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية في دول صديقة للغرب، مثل مصر أو لبنان أو العراق؟
لا نعتقد ان الدول الغربية ستشكك في نتائج انتخابات رئاسية في أي دولة عربية أو اسلامية تعتبر صديقة للولايات المتحدة، وتقيم علاقات طبيعية مع اسرائيل، وسيصف وزراء خارجيتها أو المتحدثون باسمها النظام المتهم بتزوير الانتخابات بأنه ناقص الشرعية.
نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان يتمتع بكل عناصر الشرعية عندما كان صديقا للغرب، ويخوض حربا ضد الثورة الاسلامية الايرانية التي كانت تشكل تهديدا لنظام حكمه، وللهيمنة الامريكية على احتياطات النفط في المنطقة، ولكنه تحول، وبسرعة صاروخية الى نظام غير شرعي يجب تغييره بمجرد ان بدأ يطور أسلحة دمار شامل، ويدعم المقاومة الفلسطينية، ويتعهد بتحقيق التوازن الاستراتيجي العسكري مع اسرائيل.
هناك الكثير من الدول في المنطقة العربية لم تعرف شعوبها شيئا اسمه صناديق الاقتراع، والمؤسسات الدستورية المنتخبة، والقضاء المستقل، ومع ذلك لا تعتبر الدول الغربية أنظمتها غير شرعية أو ناقصة الشرعية.
فمن يقف في المعسكر الغربي، ويخدم مصالحه، ويقيم علاقات مع اسرائيل، محصن من أي انتقاد من الحكومات الغربية وأجهزة اعلامها، مهما ارتكب من انتهاكات لحقوق الانسان. وتحتل ليبيا مكانا نموذجيا في هذا الاطار.
فعندما تبنت السلطات الليبية أفكارا ثورية ودعمت حركات التحرر في مختلف انحاء العالم، تعرضت لعدوان أمريكي، وحصار غربي، ومحاولات انقلابية عديدة، مدعومة من بريطانيا وأمريكا، ولكن بمجرد أن تخلت عن سياساتها هذه، وفككت برامجها النووية والكيماوية، وسلمتها ومعداتها بالكامل للولايات المتحدة، وفتحت أراضيها للشركات الغربية، انتقلت فورا الى خانة الدول الصديقة، ولم يعد الاعلام الغربي يتحدث عن الزعيم الليبي على أنه ديكتاتور، ويضع بلاده في خانة الارهاب.
إيران تشهد حراكا ديمقراطيا لافتا للنظر، فالاصلاحيون الذين يتحدون النظام ويشككون في شرعيته ويطالبون باعادة الانتخابات او اجراء استفتاء شعبي عام يتحركون بحرية، وكذلك انصارهم الذين يتظاهرون في الميادين العامة تأييدا لهم، بينما سيكون السجن مصير أي شخص يتقدم بعريضة الى اي شخص من الموالين لهم ليطالب فيها باصلاحات دستورية واطلاق الحريات ووقف انتهاكات حقوق الانسان.
المعادلة واضحة: كن صديقا لأمريكا واسرائيل واقتل واعتقل كما تشاء، فأنت محصن من أي انتقادات وستجد معظم الاعلام الغربي الى جانبك يغطي عوراتك، ويمتدح نظامك وسجلك الناصع في ميدان حقوق الانسان!

qca